الاتجاهات الداخلية للموظفين- خطر صامت يهدد استقرار المنظمات
المؤلف: سامي الدجوي11.01.2025

في فجر يوم مشرق، استقر موظف في مقعده المعتاد، مستغرقًا في تأمل روتين يومه الوظيفي، الذي أمضى فيه سنوات طويلة. بدت تعابير وجهه ساكنة كالمعتاد، ولا يظهر عليه ما يثير الانتباه. لكن، في لحظة غير متوقعة، فاجأ الجميع بتقديم استقالته لرئيسه المباشر. ترى ما الذي دفعه إلى ذلك؟ لم يكن هذا القرار نزوة عابرة، بل هو حصيلة مشاعر مكبوتة وتراكمات من الإحباط، حيث شعر أن جهوده لم تحظ بالتقدير الذي يستحقه. وفي عام 2014، نشرت وحدة استطلاعات الرأي العام التابعة لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني دراسة استطلاعية متعمقة حول الولاء التنظيمي بين الموظفين في المملكة، وكشفت النتائج عن أن 22.4% من العاملين في القطاعين الحكومي والخاص يفكرون جدياً في مغادرة وظائفهم الحالية. هذه القصة المؤثرة وهذه الإحصائية الدقيقة تسلطان الضوء على مشكلة كامنة تهدد استقرار العديد من المؤسسات. هذه المشكلة قد لا تظهر بوضوح في سلوكيات الموظفين اليومية، ولكنها تتجلى فجأة في قرارات مصيرية تعيق سير العمل وتقلل من الكفاءة الإنتاجية. وهذا يدعونا إلى التفكير بعمق في الاتجاهات الداخلية للموظفين، فماذا نعني بها تحديدًا؟
الاتجاهات الداخلية للموظف هي توليفة معقدة من القناعات والأحاسيس والميول السلوكية التي تتشكل في أعماق النفس، وتتسم بالثبات النسبي، وتتجه نحو المحيط الخارجي، مثل المؤسسة والوظيفة والزملاء. لنتأمل سويًا في هذا التعريف لنستخلص منه ثلاث نقاط جوهرية. أولاً، تتكون الاتجاهات من ثلاثة عناصر أساسية داخل الموظف: معتقداته تجاه شيء أو شخص ما (مثل: الثقة في النظام الإداري، وتقدير جهود الموظفين)، ومشاعره حيال هذا الشيء أو الشخص (مثل: السرور، والرضا، وخيبة الأمل، والغضب)، وميوله إلى القيام بسلوك معين (مثل: التفكير في تقديم اقتراحات بناءة، وتجنب المهام غير المحببة). هذه القناعات والمشاعر تنمو داخل الموظف يومًا بعد يوم وتتراكم مع مرور الوقت. ثانيًا، تتصف هذه الاتجاهات بالاستقرار النسبي لفترة زمنية معينة، وتظل ثابتة إلى حد ما، ولكنها في الوقت نفسه قابلة للتغيير في محيط العمل. ثالثًا، تنعكس هذه الاتجاهات على مختلف جوانب بيئة العمل. فعلى مستوى المؤسسة، قد يظهر الإخلاص أو الانتماء؛ وعلى مستوى الوظيفة، قد يتجسد ذلك في الطموح إلى الإتقان أو الإنجاز؛ بينما على مستوى العلاقات مع الزملاء، يمكن أن تظهر قيم مثل الاحترام المتبادل أو التعاون المثمر.
هنا قد يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال هام: هل تكون المؤسسة حقًا في خطر محدق إذا لم يظهر على الموظف أي سلوك سلبي واضح؟ الإجابة تكمن في أن غياب السلوك السلبي الظاهر لا يعني بالضرورة أن وضع المؤسسة أو الوظيفة أو العلاقات بين الزملاء يسير على ما يرام. بل على العكس تمامًا، قد تواجه المؤسسة خطرًا جسيمًا يكمن في فقدان الكفاءات المتميزة. فالموظفون ذوو الكفاءة العالية والمهارات المتميزة هم غالبًا الأكثر عرضة لاتخاذ قرار الاستقالة بهدوء إذا لم يحصلوا على التقدير اللائق أو البيئة الداعمة التي تشجع نموهم وتحفز طاقاتهم. وهكذا، يصبح الصمت الظاهري إشارة إنذار مبكر قد تؤدي إلى خسائر فادحة يصعب تداركها.
باختصار، إن فهم اتجاهات الموظفين ليس مجرد ترفيه أو ميزة إضافية، بل هو ضرورة استراتيجية حتمية لضمان استقرار بيئة العمل وتحقيق النجاح المستدام. فقناعات الموظفين ومشاعرهم وميولهم السلوكية ليست مجرد عناصر داخلية غير مرئية، بل هي مؤشرات قوية لما قد يتحول إلى أفعال إيجابية أو سلبية تؤثر بشكل مباشر على كفاءة المؤسسة واستقرارها. تجاهل هذه المؤشرات يعني المخاطرة بفقدان موظفين أكفاء يشكلون الركيزة الأساسية لنجاح المؤسسة وتقدمها. لذلك، تسعى المؤسسات الناجحة والطموحة إلى بناء بيئة عمل مستقرة ومثمرة من خلال إعادة صياغة استراتيجياتها لفهم وتحليل هذه الاتجاهات، والعمل على معالجتها قبل أن تتحول من مشاعر مكبوتة إلى أزمات حقيقية وخسائر لا يمكن تعويضها. أخيرًا، إن الاستثمار في توفير بيئة عمل صحية تحتضن مشاعر الموظفين وتلبي احتياجاتهم ليس مجرد تحسين داخلي، بل هو استثمار طويل الأمد في بناء مستقبل إداري واقتصادي واجتماعي مزدهر للوطن. فلنجعل مؤسساتنا، سواء الحكومية أو الخاصة، نموذجًا عالميًا يحتذى به في خلق بيئة عمل ملهمة تقدر المخلصين، وتسهم بفعالية في تحقيق رؤية المملكة الطموحة 2030.
الاتجاهات الداخلية للموظف هي توليفة معقدة من القناعات والأحاسيس والميول السلوكية التي تتشكل في أعماق النفس، وتتسم بالثبات النسبي، وتتجه نحو المحيط الخارجي، مثل المؤسسة والوظيفة والزملاء. لنتأمل سويًا في هذا التعريف لنستخلص منه ثلاث نقاط جوهرية. أولاً، تتكون الاتجاهات من ثلاثة عناصر أساسية داخل الموظف: معتقداته تجاه شيء أو شخص ما (مثل: الثقة في النظام الإداري، وتقدير جهود الموظفين)، ومشاعره حيال هذا الشيء أو الشخص (مثل: السرور، والرضا، وخيبة الأمل، والغضب)، وميوله إلى القيام بسلوك معين (مثل: التفكير في تقديم اقتراحات بناءة، وتجنب المهام غير المحببة). هذه القناعات والمشاعر تنمو داخل الموظف يومًا بعد يوم وتتراكم مع مرور الوقت. ثانيًا، تتصف هذه الاتجاهات بالاستقرار النسبي لفترة زمنية معينة، وتظل ثابتة إلى حد ما، ولكنها في الوقت نفسه قابلة للتغيير في محيط العمل. ثالثًا، تنعكس هذه الاتجاهات على مختلف جوانب بيئة العمل. فعلى مستوى المؤسسة، قد يظهر الإخلاص أو الانتماء؛ وعلى مستوى الوظيفة، قد يتجسد ذلك في الطموح إلى الإتقان أو الإنجاز؛ بينما على مستوى العلاقات مع الزملاء، يمكن أن تظهر قيم مثل الاحترام المتبادل أو التعاون المثمر.
هنا قد يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال هام: هل تكون المؤسسة حقًا في خطر محدق إذا لم يظهر على الموظف أي سلوك سلبي واضح؟ الإجابة تكمن في أن غياب السلوك السلبي الظاهر لا يعني بالضرورة أن وضع المؤسسة أو الوظيفة أو العلاقات بين الزملاء يسير على ما يرام. بل على العكس تمامًا، قد تواجه المؤسسة خطرًا جسيمًا يكمن في فقدان الكفاءات المتميزة. فالموظفون ذوو الكفاءة العالية والمهارات المتميزة هم غالبًا الأكثر عرضة لاتخاذ قرار الاستقالة بهدوء إذا لم يحصلوا على التقدير اللائق أو البيئة الداعمة التي تشجع نموهم وتحفز طاقاتهم. وهكذا، يصبح الصمت الظاهري إشارة إنذار مبكر قد تؤدي إلى خسائر فادحة يصعب تداركها.
باختصار، إن فهم اتجاهات الموظفين ليس مجرد ترفيه أو ميزة إضافية، بل هو ضرورة استراتيجية حتمية لضمان استقرار بيئة العمل وتحقيق النجاح المستدام. فقناعات الموظفين ومشاعرهم وميولهم السلوكية ليست مجرد عناصر داخلية غير مرئية، بل هي مؤشرات قوية لما قد يتحول إلى أفعال إيجابية أو سلبية تؤثر بشكل مباشر على كفاءة المؤسسة واستقرارها. تجاهل هذه المؤشرات يعني المخاطرة بفقدان موظفين أكفاء يشكلون الركيزة الأساسية لنجاح المؤسسة وتقدمها. لذلك، تسعى المؤسسات الناجحة والطموحة إلى بناء بيئة عمل مستقرة ومثمرة من خلال إعادة صياغة استراتيجياتها لفهم وتحليل هذه الاتجاهات، والعمل على معالجتها قبل أن تتحول من مشاعر مكبوتة إلى أزمات حقيقية وخسائر لا يمكن تعويضها. أخيرًا، إن الاستثمار في توفير بيئة عمل صحية تحتضن مشاعر الموظفين وتلبي احتياجاتهم ليس مجرد تحسين داخلي، بل هو استثمار طويل الأمد في بناء مستقبل إداري واقتصادي واجتماعي مزدهر للوطن. فلنجعل مؤسساتنا، سواء الحكومية أو الخاصة، نموذجًا عالميًا يحتذى به في خلق بيئة عمل ملهمة تقدر المخلصين، وتسهم بفعالية في تحقيق رؤية المملكة الطموحة 2030.
